اليوم العالمي للغة العربية احتفاء عربي بمكانة لغة الضاد
محمد خليفة صديق
شهدت العديد من المؤسسات الثقافية والعلمية في الوطن العربي فعاليات متنوعة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، والذي يصادف الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، وقد احتفت هذه الفعاليات بثراء اللغة العربية، وأبرزت مكانتها كوسيلة للحفاظ على التراث الثقافي والهوية العربية، وعرضت إلى بحث التحديات والفرص التي تواجه اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي، وأكدت الفعاليات على أهمية اللغة العربية باعتبارها أداة للتواصل الحضاري وجسرًا لحفظ التراث الثقافي، ودعا المشاركون إلى العمل على تعزيز حضور العربية في مختلف المجالات العلمية والثقافية، مع تطوير أساليب تعليمها وتوسيع نطاق استخدامها في العصر الرقمي.
البداية بالقاهرة حيث أقام معهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية منتدى بعنوان “مكانة المخطوط العربي في ذاكرة العالم” لمناقشة دور المخطوط العربي في حفظ التراث العالمي، وتناول المنتدى أهمية إدراج المخطوطات العربية ضمن برنامج “ذاكرة العالم”، مع التأكيد على ضرورة تعزيز التنسيق العربي لتسجيل التراث الوثائقي عالميًا. وانتهى المنتدى بتوصيات تدعو إلى إنشاء لجان إقليمية لدعم المخطوط العربي وتعزيز برامج تدريبية وورش عمل في هذا المجال.
بينما نظّم مجمع اللغة العربية بالقاهرة كذلك فعالية خاصة برئاسة الدكتور عبد الوهاب عبد الحافظ، تضمنت كلمات احتفالية ومداخلات أكاديمية تناولت جهود المجمع في تطوير اللغة العربية. كما كرّم المجمع إذاعة القرآن الكريم والمسرح القومي لدورهما في نشر اللغة العربية. وشهدت الفعالية توزيع جوائز مسابقة “الشيخين الشعراوي والشافعي”، التي ناقشت هذا العام “أساليب الحذف في القرآن الكريم ودلالاتها البلاغية”.
واحتفى اتحاد المجامع اللغوية باليوم العالمي للغة العربية من خلال تسليط الضوء على مشروع المعجم التاريخي للغة العربية، الذي وُصف بـ”إنجاز القرن”. وشهد اللقاء مداخلات من شخصيات أكاديمية من مختلف الدول العربية، إلى جانب عرض فيلم وثائقي عن مراحل إنجاز المشروع. أكّد الحاضرون على أهمية هذا المعجم في توثيق تطوّر اللغة العربية ودورها الحضاري.
أما احتفالية الأزهر الشريف فكانت في مركز الأزهر للمؤتمرات، حيث ألقى فضيلة مفتي الجمهورية الدكتور نظير عياد كلمة شدّد فيها على الأبدية التي اكتسبتها اللغة العربية بفضل اختيارها لغة للقرآن الكريم. وتناول دور الأزهر الشريف في حماية اللغة العربية من محاولات طمسها، مشيرًا إلى أن الاهتمام باللغة العربية يمثل حفاظًا على الهوية الدينية والثقافية.
في السودان، نظم مركز يوسف الخليفة لكتابة اللغات بالحرف العربي في جامعة إفريقيا العالمية فعالية خاصة احتفالا باليوم العالمي للغة العربية، تناول فيها د. بابكر قدرماري مدير مركز يوسف الخليفة لكتابة اللغات بالحرف العربي مسيرة اللغة العربية في العالم حيث بدأت ولم يكن هناك وجود لأي من اللغات التي نعيشها اليوم، مشيرا إلى أنها الأقدم والتي ما زالت تواصل مسيرتها دون أن تندثر، وقال: ” أثبت العلم حديثا ثبات اللغة العربية وبقاءها بعكس جميع لغات العالم الاخرى.
وأشاد قدرماري بأهمية ما يقوم به مركز يوسف الخليفة من جهد في إحياء كتابة اللغات الإفريقية بالحرف العربي، مشيدا بالمجهودات المبذولة في هذا الإطار باعتبارها عملًا استراتيجيًا يعزز الهوية الثقافية لشعوب المنطقة.
وقال د. محمد داوود عميد كليه اللغات بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا أن هذه الاحتفالات تأتي تأكيدًا على دور اللغة العربية كلغة عالمية تجمع بين الموروث الثقافي والديني، وبين العلم والمعرفة الحديثة؛ فهي اللغة الوحيدة التي أثبتت الدراسات استمراريتها وثباتها عبر العصور، بفضل القرآن الكريم وتاريخها العريق.
وتحدث في الاحتفالية كذلك الاستاذ الدكتور عبد الرحيم علي مدير جامعة إفريقيا العالمية الأسبق، والاستاذ الدكتور علي عبد الله النعيم مدير معهد الخرطوم الدولي للغة العربية، والدكتور مطر اسحاق عميد كلية اللغة العربية المكلف في جامعة افريقيا العالمية.
وفي ليبيا احتفت وزارة الثقافة والتنمية المعرفية الليبية، بالتعاون مع مجمع اللغة العربية وجامعة طرابلس، باليوم العالمي للغة العربية من خلال فعالية ثقافية مميزة أقيمت يوم الأحد 22 ديسمبر 2024، بحضور مسؤولين من وزارة الثقافة وأعضاء هيئة التدريس بجامعة طرابلس، وطلاب مدرسة المعرفة، وجاء هذا الاحتفاء تأكيدًا على مكانة اللغة العربية كركيزة أساسية للهوية الثقافية والحضارية، ووسيلة فريدة للتعبير عن التراث الإنساني، وأكدت الكلمات التي أُلقيت على أهمية اللغة العربية بوصفها لغة التراث والتاريخ، مع تسليط الضوء على التحديات التي تواجهها في العصر الحديث.
وأشارت وزيرة الثقافة والتنمية المعرفية، السيدة مبروكة توغي عثمان، في كلمتها إلى أن اللغة العربية هي “روح الأمة وذاكرتها”، مشددةً على ضرورة حماية هذه اللغة وتعزيز استخدامها عبر مبادرات رائدة مثل برنامج “لغاتنا جسور”، الذي يعزز التفاعل بين اللغات الوطنية.
تضمنت الفعالية فقرات شعرية ومعرضًا لفن الخط العربي، حيث أُبرزت جماليات الحروف العربية في لوحات فنية مميزة. كما عُقدت جلسة حوارية بعنوان “المجامع اللغوية: أهميتها ودورها”، ناقشت جهود تطوير اللغة العربية لتواكب متطلبات العصر.
في قطر نظّم معجم الدوحة التاريخي ندوة بعنوان “اللغة العربية ولسان الإعلام العربي”، ناقشت دور التكنولوجيا ووسائل الإعلام في تطوير اللغة العربية، كما تناول المشاركون تحديات تعريب المصطلحات الإعلامية وتأثير اللهجات المحلية، مع التأكيد على أهمية رقمنة اللغة للحفاظ على مكانتها.
نخرج من هذه الفعاليات إلى أن الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية لم يكن فقط مناسبة دورية تأتي كل عام لتكريم لغة عظيمة، بل هو دعوة مستمرة وحثيثة للحفاظ على هذا الإرث الثقافي واللغوي وتعزيز حضوره في المحافل الدولية.