الصورة التي نشرها المركز الفلسطيني للإعلام؛ بتاريخ الأربعاء 5/مارس/2025 لمسجد الإمام الشافعي، بغزة؛ هي صورة حية لواقع مرير؛ توضح بجلاء مدى الخراب والدمار لآلة العدو الإسرائيلي، ومدى غل، وحسد هؤلاء الطغاة، وجبروتهم، وحنقهم على الإسلام والمسلمين ومقدساتهم؛ وكيف أن العدو الصهيوني سعى بكل قوة لمحو تلك المقدسات من على وجه الأرض.
ففي تصريح رسمي، أوضح من خلاله، المتحدث باسم وزارة الأوقاف، في قطاع غزة “إكرامي المدلل” أن صواريخ الاحتلال الإسرائيلي وقنابله سوّت بالأرض ودمرت 815 مسجداً تدميراً كلياً، و151 مسجدا تدميرا جزئياً، و19 مقبرة بشكل كامل؛ إلى جانب 3 كنائس؛ كما أظهرت إحدى الصور المنشورة على موقع “أكس”، جندياً إسرائيلياً، يقف أمام مئذنة مدمرة كُتب عليها باللغة العبرية عبارة: “سيتم بناء الهيكل بشكل جيد” الأمر الذي يؤكد مدى همجية وبربرية وصلف العدو الإسرائيلي؛ ومن أبرز المساجد التي طالها الدمار (المسجد العمري الكبير) الذي يُعد واحداً من أقدم وأعرق مساجد مدينة غزة، حيث يقع في قلب المدينة القديمة، بالقرب من السوق القديم، وتبلغ مساحته نحو 4100 متر مربع، مع فناء بمساحة 1190 مترا مربعا ويضم 38 عمودا من الرخام المتين، مما يضيف لجمال المسجد وتاريخه العريق، ويعتبر الأكبر في قطاع غزة، وقد سُمي تكريما للخليفة عمر بن الخطاب؛ وفي تاريخه الطويل، تحوّل الموقع من معبد فلسطيني قديم إلى كنيسة بيزنطية، ثم إلى مسجد بعد الفتح الإسلامي. تعرض المسجد للتدمير عدة مرات عبر التاريخ نتيجة الزلازل والهجمات الصليبية، وأعيد بناؤه في العصور المختلفة، من العهد المملوكي إلى
العثماني، كما تعرض للدمار مجددا في الحرب العالمية الأولى، ورُمم لاحقا في العام 1925.
وبالطبع هذا التدمير الكبير، والمتعمد ليس القصد منه فقط إسكات تلك الأصوات، التي تنادي، وتكبر الله صباح مساء؛ بل تدمير شامل لتلك القيم الإسلامية السمحة. واستهداف المساجد بالتأكيد لم يكن مجرد أضراراً جانبية للحرب، بل يأتي ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى محو الهوية الدينية لغزة وزيادة معاناة سكانها ومحو الصورة المشرقة لهم في رمضان؛ وتلك التجمعات البشرية الكبيرة كل عام والإفطارات الجماعية، وصلاة التراويح، وقيام الليل؛ نعم هدم لتلك الصورة الوضيئة المضيئة المشرقة، وهدم متعمد لقيم المجتمع الفلسطيني المسلم المتسامح في شهر الخير.
لكن ورغم كل ذلك الدمار الكبير، وصمت المآذن؛ فإن غزة مازالت على ذات الصمود والقوة والتمسك بالأرض والتراب، وأكثر تمسكا بالقيم الإسلامية السمحة وصوت المؤذن أن حيا على الصلاة، لم يغب وإن غابت المآذن؛ وشيئاً فشيئاً ستعود الحياة لغزة ولفلسطين ولو بعد حين.
لم تغب فرحتهم برمضان رغم الحصار والجراح والأنفس المكلومة؛ فقد علقوا الفوانيس على ما تبقى من جدران بيوتهم المهدمة، ورسموا بالألوان صور الصمود؛ في محاولة قوية لإضفاء بصيص من الأمل، وسط الخراب.
تُظهر تلك المشاهد التي تناقلتها كاميرات الإعلام، في أول يوم من رمضان قوة وصمود الشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات، وإصرارهم على الحياة والاحتفال بالشهر المبارك رغم كل الصعاب، ورغم كل ما عاشوه من حرب ليعلو الآذان من جديد ويصدح المنشدون بالأناشيد الدينية.
ورغم كل الدمار الكبير للمقدسات الإسلامية فجهود أهل غزة لم تتوقف ولم يستسلموا لواقعهم المرير فقد تمكنوا من إقامة العديد من المصليات المؤقتة مستخدمين ما هو
متاح لهم من خيام وبقايا الأخشاب المتناثرة تحت ركام الأبنية المهدمة، ليبنوا مصليات في دور الإيواء رغم كل الظروف المحيطة وأن الأذان لن يُمحى من ذاكرتهم، وسيبقى حاضرًا في قلوبهم وأرواحهم حتى لو غابت المآذن.
نُشر المقال يوم الخميس الموافق 13 مارس 2025.