مقال بعنوان: رمضان فرصة للإصلاح، بقلم الدكتور: خالد مريود.
نُشر يوم الأربعاء الموافق 5 مارس 2025.
رمضان فرصة للإصلاح
عندما نقول الإصلاح، فإننا نعني الإصلاح بشموله، وأشكاله، وروابطه، الممتدة؛ إصلاح النفس، والأهل؛ والعشيرة، والأقارب؛ إصلاح الأقربِ فالأقرب؛ ليشع النور ويمتد الضوء لمؤسساتنا ومن يحيط بنا حتى يكون إصلاحا شاملاً من أجل مجتمعٍ فاعلٍ، عاملٍ، مُنتجٍ؛ وليكن مرتكز ذلك كله القرآن الكريم، الذي نظم حياتنا، وأورثنا القيم الفاضلة؛ فرمضان فرصة كبيرة، وعظيمة للإصلاح؛ ولنبدأ أوَّلا بإصلاح النفس التي هي أول أولويات الإصلاح بلا شك، قال تعالى في سورة الرعد آية 11، ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾.
ولعله من النادر أن يسأل الفرد منا ماهية ذلك الإصلاح ومنشأه؛ وكيف؟ ومن أين يبدأ؟ وكيف يتم؛ فالنفس البشرية، لها أحوالها، وتقلباتها، فهي على الدوام لا تستقر على أمر الا بشدة مجاهدة، ومثابرة؛ لذلك فإن رمضان يعتبر المحطة الأولى، ومنصة الانطلاق، والبداية الصحيحة، لمعالجة تلك التقلبات، ومعالجة أحوال النفس، وتقييمها، وتقويمها، نحو المسار والطريق الصحيح؛ لأن رمضان فرصة كبيرة للتقرب الى الله بالطاعات واجتناب المحرمات والموبقات وتقوية الصلة بالله والاستجابة لأوامره، ونواهيه، فتطمئن النفس وتسكنها السكينة، ويستقر أمرها؛ قال تعالى في سورة الرعد آية 28، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾(.
ثانيا: إصلاح العلاقة بين الخلق في رمضان؛ فكم من خصومةٍ وشحناء، وبغضاء في أتفه الأسباب، اعترت حياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية قبل رمضان؛ فرمضان فرصة لإصلاح ذلك كله، ولتكن البداية بعلاقاتنا الأسرية؛ (الزوج والزوجة) فكم من خلافات صغيرة أدت الى تنافرٍ وتناحرٍ وتباغض، وكم من شحناء ما كان لها أن تكون لو تنازل أحد الطرفين.
ومن ثم إصلاح العلاقة بين الأبناء وجمعهما على الرأفة والرحمة والمودة وطي صفحات الخلاف، فهناك إخوة ومن صلب رجل واحد تجد الشيطان قد فرق بينهم ولأسباب لا تذكر، حتى وصل بهم الأمر حد الخصومة وقطع الرحم؛ فرمضان هو الفرصة المناسبة لطي ذلك الخلاف، وإصلاح تلك العلاقة، ويمتد
الاصلاح ليشمل إصلاح العلاقة بين الجيران؛ ففي السنن الكبرى للبيهقي عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أوصاني جبريل -عليه السلام- بالجار إلى أربعين دارا، عشرة من ها هنا، وعشرة من ها هنا، وعشرة من ها هنا، وعشرة من ها هنا؛ فحق الجار عظيم، ففي مسند الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لا يشبع الرجل دون جاره)، وفي صحيح البخاري قال: سمعت رسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع)، فإصلاح علاقة الجيران واجبٌ وحقٌ عظيم؛ ومما لا شك فيه أن رمضان فرصة لإصلاح علاقة الجار بجاره، وذلك من خلال المودة، والرأفة، والرحمة، ومد يد المعروف، والعون لهم.
ثالثا: علاقات العمل، وتفقد الرعية وأحوالهم؛ فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه. لذا وجب ولزم إصلاح هذه العلاقة إصلاحا قويما يرضي الله قبل إرضاء خلقه.
رابعا: الدعوة الى إصلاح المجتمع، وذلك من خلال تقديم النصح للجميع وتقويم الانحرافات السلوكية بالتي هي أحسن؛ فرمضان فرصة كبيرة بلا شك للإصلاح الشامل، في كل مناحي الحياة، يبدأ بالنفس وينتهي بالمجتمع الكبير؛ ليكون نورا يشع فيضيئ الكون، فهو شهر يجمع أكثر من مليار مسلم في يوم واحد، وساعة واحدة، يرسم تفاصيل حياتهم كل عام؛ يجدد وصلهم وتواصلهم.