كيف ينظر (الاسرائيليون) إلى سوريا الجديدة..؟
د. محمد خليفة صديق
قديما قبل من عرف لغة قوم أمن شرهم، ونحن اليوم بحاجة إلى معرفة ما يدور في العقل الصهيوني حتى نعرف طريقة تفكير العدو، وما يخطط له من أمور في المستقبل المنظور، خاصة وأن العدو الصهيوني دائما ما يقول أن العرب لا يقرأون كما قال ذلك موشي دايان وزير حرب العدو السابق، وغيره. لذا من المفيد أن يجتهد نفر الكتاب العرب والمسلمون من متقني اللغة العبرية في ترجمة ما تكتبه أقلام العدو من مقالات ومواقف وأطروحات لأن الكثير منها يجد طريقة للتنفيذ، لأن صانع القرار عندهم يهتم بما يكتبه أهل الإعلام، بجانب أن الرأي العام العربي والإسلامي بحاجة لمعرفة طرائق تفكير القوم، وما يدور في داخل دهاليز الإعلام العبري من طرح ورؤى.
نقف اليوم مع مقالين من الصحافة العبرية يناقشان بعض الرؤى لكتاب من دولة العدو حول رؤيتهم لسوريا ما بعد الأسد، وكيف ينظرون لها بعد التغيير، المقال الأول نشر في صحيفة يسرائيل هيوم بعنوان: “فرصة تتوفر مرة كل مائة عام”، لكاتبه تسفي هاوزر، وهو عضو كنيست سابق ورئيس سابق للجنة الخارجية والأمن، اعتبر فيه كاتب المقال أن اسرائيل أمام فرصة تاريخية مضمونة وقليلة التكلفة ستغير من خلالها وجه المنطقة، وتعيد بناء مصالحها الحيوية الجيواستراتيجية، وأنها لأجل استغلال هذه الفرصة عليها أن تتصرف كدولة عظمى إقليمية – حسب قوله-، وأن تفكر بشكل كبير وان تخلق حقائق على الأرض قبل أن يفرضها الآخرون، كما يرى أن سياسة “البقاء جانباً” أو التأخير بشكل تكتيكي سوف تضيع الفرصة، وتعطي دول إقليمية كبرى فرصة فرض امر واقع مخالف لمصالح اسرائيل.
يدعو كاتب المقال إلى ما يسميه التفكير باعتبارات مستقبلية وليس ما كان عليه الحال، داعيا إلى أن تواجه الخطوات الاسرائيلية الخطوات التركية التي تسعى للتوسع على حساب الأراضي السورية وتحويلها إلى دولة إسلامية تابعة لها وعلى حساب الوجود الإيراني الذي انتهى، ويرى أن تركيا احتلت أراضي من سوريا وتسعى لطرد الأكراد من مناطق أخرى، وهي تجني الثمار لاستثمارات قديمة في سوريا، معتبرا أن اسرائيل كان عليها أن تستثمر في سوريا منذ 2012 وقبل دخول روسيا لسوريا، وقبل توغل النفوذ التركي لكنها اكتفت بتمنى النجاح للطرفين المتقاتلين.
يدعو الكاتب لأن تسعى اسرائيل لتعديل الحدود وأن تقيم منطقة دفاعية حيوية أمام تطلعات تركيا التي احتلت اجزاء من سوريا، وتسعى لبناء فيما تبقى من سوريا دولة إسلامية موحدة تابعة لها ومعادية لاسرائيل، ويقول:” علينا أن نأخذ بالاعتبار نشوب حالة من عدم الاستقرار في الأردن أيضا، إلى جانب تقسيم سوريا وفق التركيبة الطائفية الاثنية وخلق مجالات تاثير وتحالفات استراتيجية مع الدروز والأكراد، ويدعو إلى تقديم دعم سياسي وعسكري وانساني لفصائل سورية، وتوزيع الأسلحة التي استولت عليها اسرائيل من غزة ولبنان لخلق مناطق حكم ذاتي لهذه الجهات، وخلق تغيرات تؤثر على المنطقة ككل.
المقال الثاني بعنوان: بعد انهيار “المحور الإيراني” (محور شرّ) أكثر خطورة يتشكل ضد إسرائيل بقلم إسحق بريك، عن موقع “N12” العبري، ويرى كاتب المقال أن سيطرة ما سماهم “الجهاديين المتطرفين” على سورية قد ألحقت ضرراً كبيراً بـ”محور الشر” الإيراني في سورية ولبنان، لكن ما يحدث الآن، هو مولد لـ “محور شر” آخر، أكثر خطورةً مما سبقه، مشكّل من الأتراك والجهاديين “المتطرفين ممن تخرجوا من القاعدة”. وبكلمات أُخرى، وقال:” ما سيفعله هؤلاء ربما يجعلنا نشتاق إلى “محور الشر” التابع لإيران وأذرعها.
أستنكر كاتب المقال دعوة الرئيس أردوغان للعالم الإسلامي برمته لأن يتّحد ضد إسرائيل، حيث يرى أن أردوغان هو الجهة المركزية التي تقف خلف ما يسميه “التمرد الجهادي المتطرف” ضد النظام السوري، وكان المسؤول عن تسليح هذا التنظيم، وطرفاً في خطة الهجوم على سورية، وأكثر من ذلك، فإن أردوغان سيكون حليفه، كتفاً بكتف، ضد إسرائيل، ويطرح الكاتب السؤال الكبير: أين كانت شعبة الاستخبارات العسكرية هذه المرة أيضاً؟ فالحديث يدور حول فشل استخباراتي مستمر على مدار أعوام طويلة، وقال :” يمكن أن يحدث أمر شبيه مثلما حدث في الأردن أيضاً، حيث أن 92% من المجتمع سنّي.”
يدعو الكاتب إلى تجهّيز جيش العدو للحرب الإقليمية الكبرى الشاملة، بطريقة تسمح لإسرائيل بالدفاع والهجوم في عدة جبهات في الوقت نفسه، وإسرائيل لا تملك أيّ خيار آخر سوى تجهيز جيشها للقادم، والرد على بروز مسارات تعرّض وجودها للخطر- بما معناه تجهيز الجيش للتطورات الخطِرة في الشرق الأوسط، ويدعو للامتناع عن الاستمرار في الاعتماد على المعجزات، مثلما حدث قبل أكثر من عام، عندما لم يهاجمنا “حزب الله” بالتزامن مع طوفان الأقصى العام الماضي.
يتحدث الكاتب عن أن اسرائيل على المستويين السياسي والعسكري قامت خلال السنوات العشرين الماضية بتقليص سلاح البرّ، بتقليص آلاف الدبابات، وخفض كتائب المدفعية والألوية في سلاح المشاة بنسبة 50 %، وأوصلا سلاح البرّ في الجيش إلى ثلث الحجم الذي كان عليه قبل 20 عاماً، وفي ظل هذا الوضع المتضعضع، كان على الجيش استنفاد كامل قدراته، كما لا يوجد وحدات لتبديل القوات التي تقاتل منذ أكثر من عام. لذلك، نرى أن كثيرين منهم مُستنزفون، جسدياً ونفسياً، ولا يتجندون لجيش الاحتياط. وأكثر من ذلك، فإن الجيش لا يستطيع إخضاع “حماس” الصغيرة، ولا “حزب الله” الأكبر، بسبب عدم وجود قوات كافية، وهو ما يمنع إسرائيل من البقاء في المناطق التي احتلتها، وبالتالي، هي لا تستطيع المناورة في العمق والقتال في عدة جبهات في الوقت نفسه. وجاء وقف إطلاق النار مع “حزب الله” بسبب عدم قدرة الجيش على إخضاع الحزب.
يدعو الكاتب في خاتمة مقاله للبدء فوراً في زيادة حجم سلاح البر بشكل كبير، وخلق توازُن بين الطائرات والمركّبات الأُخرى، مثل الصواريخ، وشراء عشرات الآلاف من المسيّرات والمضادات وغيرها، حيث ستسمح زيادة حجم سلاح البر وشراء أدوات قتالية جديدة للجيش بالحصول على قدرات دفاعية، وأيضاً هجومية، أفضل كثيراً مما لديه اليوم، معتبرا أنه في ظل هذا الواقع، يمكن أن يتضاعف التهديد الوجودي لإسرائيل بسبب التغييرات الدراماتيكية في الشرق الأوسط.