لم يمر على ليبيا كارثة مثل إعصار دانيال الذي ضرب منطقة الجبل الأخضر وخاصّة مدينة درنة، قلب الإعصار وبؤرته؛ فتحول واديها وما يمثله من ممرّ مائي لكل ما يتجمع من أمطار إلى كابوس في ليل مظلم، لم تشهد له البلاد مثيلا، فقد جمع الإعصار بما حمله من مياه البحر، مع سقوط الأمطار الغزيرة في تلك الليلة- كمية من المياه بلغت قمم الجبال، وتجاوزت الحد الذي يمكن أن يتحمله سدّا الوادي؛ فانهدّ السدّ الكبير “أبو منصور”، وتبعه الصغير “سدّ وادي درنة”؛
فجرف الطوفان كلّ ما في طريقه من عمارات، وبيوت، بل أحياء بأكملها، اجتثّها من أساسها، وقذف بها في قعر البحر، وما بقي طمره الطمي ومخلفات الوادي، وكانت الفاجعة؛ وفاة وفقدان ما بين أربعة آلاف إلى عشرين ألفا من أهل المدينة، وطمس آثار ربع خريطتها .. ومما زاد من وقع الفاجعة الفوضى والتسيب الذي وقع في إدارة هذه الكارثة قبل وبعد الطوفان.
وإن كان في المصائب والكوارث من بارقة أمل وشيء يُحتفى به، فهو ما كان من تكاتف الشعب الليبي، وإظهاره لمعاني الأخوّة والبذل والعطاء الذي يجزم من عايشه، وارتوى من معينه تلك الأيّام- أن هذا الشعب لا يحتاج إلا لقيادة رشيدة صادقة، تعمل لصالحه، وتحترم إرادته، فتجبر الكسر، وترقع الخرق، وتنهض بالأمّة من كبوتها، وستجد معها رجالا، لا يقف أمامهم إعصار ولا طوفان.
ولتوثيق هذا التاريخ، وتدوين بعض صفحاته؛ رأينا تخصيص هذا العدد من مجلتنا لهذه الفاجعة “طوفان درنة “؛ ليبقى ما خلّفه هذا الإعصار في ذاكرتنا وضميرنا.
ولم يمض على هذه الكارثة إلا أسابيع ــ ونحن في طور تجهيز هذا العدد- حتى فوجئنا كما فوجئ العالم أيضاً -بطوفان آخر، ولكنه هذه المرة من صنع المقاومة، وبنكهة النصر العزيز على العدوّ الصهيوني، مرّغت به أنفه في التراب، وأصابته في مقتل، ألا وهو طوفان الأقصى، نسأل الله عزّ وجلّ أن يكون فاتحة خير على الأمّة الإسلامية جمعاء، وبداية مسيرة تحرير المسجد الأقصى المبارك.