خليفة البشباش
يعد هذا الكتاب أهم دراسة في موضوعها، وإضافة إلى مادته الرئيسية، فإن غاية أهميته تكمن فيما تضمنه من استدراكات وتصويبات وتعليقات على كثير مما نشر وكتب عن علماء الغلابنة وسيرهم، مما تتضمن -حسب رأي المؤلف- أخطاء في التواريخ ونسبة الكتب وعمارة المساجد وغيرها من المسائل التي دقق وحقق فيهما مؤلف الكتاب الأستاذ مختار الهادي بن يونس –رحمه الله-، وهو مؤرخ ومحقق نشرت له عدة أبحاث ودراسات جلها في التاريخ الثقافي لليبيا وعلمائها.
ويتناول الفصلان الأولان للكتاب أصول الغلابنة ونسبهم، فيما يبدأ الفصل الثالث بذكر شيء من سير علماء وفقهاء الغلابنة بدءا بغير المشهورين منهم مثل الشيخ عبد الله ابن أحمد وابنه محمد، وصولا إلى الشيخ محمد بن خليل بن غلبون المولود في قصر أحمد بمدينة مصراتة، وهو صاحب الكتاب الشهير “التذكار فيمن ملك طرابلس أو كان بها من الأخيار”، أحد أشهر كتب التراجم والتاريخ في ليبيا، ويذكر المؤلف مختار يونس أنه وقع على ثلاث أوراق بخط الشيخ محمد بن خليل بن غلبون لكتاب آخر يظهر أنه في العلوم الشرعية بحسب ما يفهم من هذه الورقات وهو كتاب مفقود حتى اليوم.
ويبحث في بقية أجزاء هذا الفصل ثلاث مسائل مهمة، الأولى هي الاختلاف في تحديد سنة وفاة ابن غلبون، حيث يشير إلى أنه “بعد كثير من البحث والتحري في شتى المصادر والمراجع التي توفرت لنا لم نعثر حتى الآن إلا على نفحات النسرين لأحمد النائب الأنصاري ذكرا تاريخا محددا لوفاة ابن غلبون وهو سنة 1177 هـ… ومن آثاره بناء زاوية لإقراء العلم للطلبة بقبيلة الشروع بقصر أحمد، بناها بعد عودته من الأزهر سنة 1133 هـ”.
والمسألة الثانية هي تأسيسي مسجد ابن غلبون المعروف في قصر أحمد بمدينة مصراتة، حيث يصحح المؤلف من وجهة نظره خطأ وقعت فيه لجنة تأليف “موسوعة الآثار الإسلامية في ليبيا” من نسبة بناء المسجد لابن غلبون، ويشير مؤلف كتاب “علماء الغلابنة” إلى أن الموسوعة أخطأت في نقل نص النقش الموجود بالمسجد أولا، ثم ذهب في مناقشة لنص النقش نفسه الذي كتب عند ترميم المسجد بعد نحو 98 عاما من وفاة ابن غلبون، ويخلص المؤلف إلى رأيه الذي لخصه بقوله: “وأرى إحقاقا للحق أن الباني والمؤسس للمسجد هو محمود خازن دار والذي أوقف نظارته لعائلة غلبون… وأعاد صيانته أو ترميمه حين تأثر من مياه الأمطار سنة 1139 الشيخ محمد بن خليل ابن غلبون… وأعاد صيانته للمرة الثانية عبد الرحمن بن عبد الله بن غلبون سنة 1275هـ”.
والمسألة الثالثة هي سيرة ابن غلبون الحفيد، وهو محمد بن خليل بن محمد، وما وقع فيه بعض الباحثين والمؤلفين من خلط بين شخصية الجد صاحب كتاب التذكار، والحفيد وهو من علماء القرن الثالث عشر الهجري، له كتاب في الفلك في شرح على نظم المقنع للسوسي، وكتاب في الفرائض والمواريث وهو شرح لنظم الرحبي، ونظم في التربية، ويختتم أ. مختار يونس هذا الفصل باستعراض بعض المخطوطات التي تنسب لابن غلبون دون معرفة أي الغلابنة هو المقصود.
وتتناول أحد فصول الكتاب دراسة عن كتاب التذكار، من اسمه وسبب تأليفه وتاريخ البدء والفراغ من كتابته ومخطوطات الكتاب وتحقيقاته، وكذلك المصادر التي اعتمد عليها ابن غلبون ومنهجه في التأليف وما تضمنه الكتاب من فوائد في السير والتاريخ والثقافة والتجارة والسك وغيرها من الموضوعات التي تناولها المؤلف ولا يتسع المقام لذكرها جميعا.
بينما خصص المؤلف الفصل الأخير من الكتاب في الحديث عن قصيدة الفقيه الشيخ أحمد بن عبد الدائم الأنصاري، التي أنشدها في الرد على من هجا طرابلس وتحامل عليها، والتي أشار إليها ابن غلبون في مقدمة التذكار كأساس لتأليف كتابه، وهي بدورها مفقودة عدا أبيات قليلة بقيت منها، وأبرز ما شغله هذا الفصل هو بحث أ. مختار يونس عمن كان يرد الأنصاري في قصيدته؟ ويرجح أنه كان يرد على أبي محمد الإسحاقي الشرقي الذي كان تحامله على البلاد بحسب في رأيه “لا يستند على حقيقة ملموسة بينة” ولم يلتزم الصدق ولا النزاهة في كلامه.
وفي الكتاب كثير من القضايا والمباحث والتراجم والفوائد عن علماء الغلابنة وتراثهم الذي ما يزال كثير منه مخطوطا، و”البحث عن التراث في مظانه وإظهاره إلى حيز الوجود ضرورة ملحة ليرى ويتعرف القارئ على انتاج هؤلاء العلماء ومدى مشاركتهم في العطاء العلمي والثقافي والفكري” كما يقول المؤلف.